فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة الليل:
إحدى وعشرون آية.
مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{والليل إِذَا يغشى}
المغشي، أما الشمس من قوله: {واليل إِذَا يغشاها} [الشمس: 4] أو النهار من قوله: {يغشى الليل النهار} [الأعراف: 54] أو كل شيء يواريه بظلامه من قوله: {إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3] {والنهار إِذَا تجلى} ظهر بزوال ظلمة الليل {وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} والقادر العظيم القدرة الذي قدر على خق الذكر والأنثى من ماء واحد، وجواب القسم {إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى} إن عملكم لمختلف وبيان الاختلاف فيما فصل على أثره {فَأَمَّا مَنْ أعطى} حقوق ماله {واتقى} ربه فاجتنب محارمه {وَصَدَّقَ بالحسنى} بالملة الحسنى وهي ملة الإسلام، أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة، أو بالكلمة الحسنى وهي لا إله إلا الله {فَسَنُيَسّرُهُ لليسرى} فسنهيئه للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه ربه {وَأَمَّا مَن بَخِلَ} بماله {واستغنى} عن ربه فلم يتقه أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى {وَكَذَّبَ بالحسنى} بالإسلام أو الجنة {فَسَنُيَسّرُهُ للعسرى} للخلة المؤدية إلى النار فتكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، أو سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر، وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبتها العسر، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار.
{وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تردى} ولم ينفعه ماله إذا هلك، و{تردى} تفعّل من الردى وهو الهلاك، أو تردى في القبر أو في قعر جهنم أي سقط {إِنَّ عَلَيْنَا للهدى} إن علينا الإرشاد إلى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأولى} فلا يضرنا ضلال من ضل ولا ينفعنا اهتداء من اهتدى، أو أنهما لنا فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ الطريق {فَأَنذَرْتُكُمْ} خوفتكم {نَاراً تلظى} تتلهب {لاَ يصلاها} لا يدخلها للخلود فيها {إِلاَّ الأشقى الذي كَذَّبَ وتولى} إلا الكافر الذي كذب الرسل وأعرض عن الإيمان {وَسَيُجَنَّبُهَا} وسيبعد منها {الأتقى} المؤمن {الذى يُؤْتِى مَالَهُ} للفقراء {يتزكى} من الزكاء أي يطلب أن يكون عند الله زاكياً لا يريد به رياء ولا سمعة، أو يتفعل من الزكاة و{يتزكى} إن جعلته بدلاً من {يؤتى} فلا محل له لأنه داخل في حكم الصلة، والصلاة لا محل لها، وإن جعلته حالاً من الضمير في {يؤتى} فمحله النصب.
قال أبو عبيدة: {الأشقى} بمعنى الشقي وهو الكافر، و{الأتقى} بمعنى التقي وهو المؤمن لأنه لا يختصر بالصلى أشقى الأشقياء، ولا بالنجاة أتقى الأتقياء، وإن زعمت أنه نكر النار فأراد ناراً مخصوصة بـ: {الأشقى} فما تصنع بقوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى}، لأن التقي يجنب تلك النار المخصوصة لا {الأتقى} منهم خاصة، وقيل: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيها، فقيل {الأشقى} وجعل مختصاً بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له، وقيل {الأتقى} وجعل مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل: هما أبو جهل وأبو بكر.
وفيه بطلان زعم المرجئة لأنهم يقولون لا يدخل النار إلا كافر {وَمَا لأحد عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تجزى إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ رَبّهِ} أي وما لأحد عند الله نعمة يجازيه بها إلا أن يفعل فعلا يبتغي به وجه ربه فيجازيه عليه {الأعلى} هو الرفيع بسلطانه المنيع في شأنه وبرهانه، ولم يرد به العلو من حيث المكان فذا آية الحدثان {وَلَسَوْفَ يرضى} موعد بالثواب الذي يرضيه ويقرّ عينه وهو كقوله تعالى لنبيه عليه السلام: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى: 5]. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة الليل:
{والليل إِذَا يغشى}
أي يغطي وحذف المفعول وهو الشمس لقوله: {والليل إِذَا يغشى} أو النهار لقوله: {يُغْشِي اليل النهار} [الأعراف: 54] أوكل شيء يستره الليل {والنهار إِذَا تجلى} أي ظهر وتبين والنهار من طلوع الشمس واليوم من طلوع الفجر {وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} ما بمعنى من والمراد بها الله تعالى وعدل عن من لقصد الوصف كأنه قال: والقدر الذي خلق الذكر والأنثى وقيل: هي مصدرية وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والذكر والأنثى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى} هذا جواب القسم ومعناه إن عملكم مختلف فمنه حسنات ومنه سيئات، وشتى جمع شتيت {فَأَمَّا مَنْ أعطى} أي أعطى ماله في الزكاة والصدقة وشبه ذلك، أو أعطى حقوق الله من طاعته في جميع الأشياء واتقى الله {وَصَدَّقَ بالحسنى} أي بالخصلة الحسنة وهي الإسلام، ولذلك عبّر عنها بعضهم بأنها لا إله إلا الله، أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة، وقيل: يعني الأجر والثواب على الاطلاق، وقيل: يعني الخلف على المنفق {فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى} أي نهيؤه للطريقة اليسرى، وهي فعل الخيرات وترك السيئات وضد ذلك تيسيره للعسرى ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اعلموا فكل ميسر لما خلق له» أي يهيؤه الله لما قدر له ويسهل عليه فعل الخيرات أو الشر {وَأَمَّا مَن بَخِلَ واستغنى} أي بخل بماله أو بطاعة الله على الاطلاق فيحتمل الوجهين؛ لأنه في مقابلة أعطى، كما أن {استغنى} في مقابلة {اتقى}، وكذلك {كذب بالحسنى} في مقابلة {صدق بالحسنى}، ونيسره للعسرى في مقابلة نيسره لليسرى، ومعنى {استغنى}: استغنى عن الله فلم يطعه واستغنى بالدنيا عن الآخر، ونزلت آية المدح في أبي بكر الصديق، لأنه أنفق ماله في مرضات الله، وكان يشتري من أسلم من العبيد فيعتقهم، وقيل نزلت في أبي الدحداح، وهذا ضعيف، لأنها مكية وإنما أسلم أبو الدحداح في المدينة.
وقيل: إن آية الذم نزلت في أبي سفيان بن حرب، وهذا ضعيف لقوله: {فسنيسره للعسرى} وقد أسلم أبو سفيان بعد ذلك.
{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تردى} هذا نفي، أو استفهام بمعنى الإنكار.
واختلف في معنى تردى على أربعة أقوال:
الأول: {تردى} أي هلك، فهو مشتق من الردى وهو الموت، أو تردى أي سقط في القبر، أو سقط في جهنم، أو تردى بأكفانه من الرداء.
{إِنَّ عَلَيْنَا للهدى} أي بيان الخير والشر، وليس المراد الإرشاد عند الأشعرية خلافاً للمعتزلة.
{فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى} خطاب من الله أو من النبي صلى الله عليه وسلم على تقدير: قل {لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأشقى} استدل المرجئة بهذه الآية على أن النار لا يدخلها إلا الكفار لقوله: {الذي كذب وتولى}.
وتأولها الناس بثلاثة أوجه أحدها: أن المعنى لا يصلاها صلي خلود إلا {الأشقى}.
والآخر: أنه أراد ناراً مخصوصة. الثالث: أنه أراد بـ: {الأشقى} كافراً معيناً وهو أبو جهل وأمية بن خلف، وقابل به {الأتقى} وهو أبو بكر الصديق؛ فخرج الكلام مخرج المدح والذم على الخصوص، لا مخرج الإخبار على العموم.
{يتزكى} من أداء الزكاة أو من الزكاة، أي يصير زكياً عند الله، أو يتطهر من ذنوبة، وهذا الفعل بدل من يؤتى ماله أو حال من الضمير {وَمَا لأحد عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى} أي لا يفعل الخير جزاء على نعمة أنعم بها عليه أحد فيما تقدم، بل يفعله ابتداء خالصاً لوجه الله، وقيل: المعنى لا يقصد جزاء من أحد في المستقبل على ما يفعل، والأول أظهر ويؤيده ما روي أن سبب الآية أن أبا بكر الصديق لما أعتق بلالاً قالت قريش: كان لبلال عنده يد متقدمة فنفى الله قولهم.
{إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِ} استثناء منقطع {وَلَسَوْفَ يرضى} وعد بأن يرضيه في الآخرة. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة الليل:
مكية.
وآيها إحدى وعشرون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{واليل إِذَا يغشى}
أي يغشى الشمس أو النهار أو كل ما يواريه بظلامه.
{والنهار إِذَا تجلى} ظهر بزوال ظلمة الليل، أو تبين بطلوع الشمس.
{وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} والقادر الذي خلق صنفي الذكر والأنثى من كل نوع له توالد، أو آدم وحواء وقيل {مَا} مصدرية.
{إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى} إن مساعيكم لأشتات مختلفة جمع شتيت.
{فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى وَصَدَّقَ بالحسنى} تفصيل مبين لتشتت المساعي. والمعنى من أعطى الطاعة واتقى المعصية وصدق بالكلمة الحسنى وهي ما دلت على حق ككلمة التوحيد.
{فَسَنُيَسّرُهُ لليسرى} فسنهيئه للخلة التي تؤدي إلى يسر وراحة كدخول الجنة، من يسر الفرس إذا هيأه للركوب بالسرج واللجام.
{وَأَمَّا مَن بَخِلَ} بما أمر به.
{واستغنى} بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى.
{وَكَذَّبَ بالحسنى} وبإنكار مدلولها.
{فَسَنُيَسّرُهُ للعسرى} للخلة المؤدية إلى العسر والشدة كدخول النار.
{وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ} نفي أو استفهام إنكار.
{إِذَا تردى} هلك تفعل من الردى، أو تردى في حفرة القبر أو قعر جهنم.
{إِنَّ عَلَيْنَا للهدى} للإرشاد إلى الحق بموجب قضائنا أو بمقتضى حكمتنا، أو {إِنَّ عَلَيْنَا} طريقة الهدى كقوله سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل}
{وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأولى} فنعطي في الدارين ما نشاء لمن نشاء، أو ثواب الهداية للمهتدين، أو فلا يضرنا ترككم الاهتداء.
{فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى} تتلهب.
{لاَ يصلاها} لا يلزمها مقاسياً شدتها.
{إِلاَّ الأشقى} إلا الكافر فإن الفاسق وإن دخلها لا يلزمها ولذلك سماه أشقى ووصفه بقوله: {الذى كَذَّبَ وتولى} أي كذب الحق وأعرض عن الطاعة.
{وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى الذى} اتقى الشرك والمعاصي فإنه لا يدخلها فضلاً عن أن يدخلها ويصلاها، ومفهوم ذلك أن من اتقى الشرك دون المعصية لا يجنبها ولا يلزم ذلك صليها فلا يخالف الحصر السابق.
{يُؤْتِي مَالَهُ} يصرفه في مصارف الخير لقوله: {يتزكى} فإنه بدل من {يُؤْتَي} أو حال من فاعله.
{وَمَا لأحد عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تجزى} فيقصد بإيتائه مجازاتها.
{إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ رَبّهِ الأعلى} استثناء منقطع أو متصل عن محذوف مثل لا يؤتى إلا ابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة.
{وَلَسَوْفَ يرضى} وعد بالثواب الذي يرضيه. والآيات نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين اشترى بلالاً في جماعة تولاهم المشركون فأعتقهم، ولذلك قيل: المراد بالأشقى أبو جهل أو أمية بن خلف.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والليل أعطاه الله سبحانه وتعالى حتى يرضى وعافاه من العسر ويسر له اليسر». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة الليل:
{وَاللَّيْلِ إِذَا يغشى (1)}
لما ذكر فيما قبلها {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} ذكر هنا من الأوصاف ما يحصل به الفلاح وما تحصل به الخيبة، ثم حذر النار وذكر من يصلاها ومن يتجنبها، ومفعول يغشى محذوف، فاحتمل أن يكون النهار، كقوله: {يغشي الليل النهار} وأن يكون الشمس، كقوله: {والليل إذا يغشاها} وقيل: الأرض وجميع ما فيها بظلامه.
و{تجلى}: انكشف وظهر، إما بزوال ظلمة الليل، وإما بنور الشمس.
أقسم بالليل الذي فيه كل حيوان يأوي إلى مأواه، وبالنهار الذي تنتشر فيه.
وقال الشاعر:
يجلي السرى من وجهه عن صفيحة ** على السير مشراق كثير شحومها

وقرأ الجمهور: {تجلى} فعلاً ماضياً، فاعله ضمير النهار.
وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير: {تتجلى} بتاءين، يعني الشمس.
وقرئ: {تجلى} بضم التاء وسكون الجيم، أي الشمس.
{وما خلق}: ما مصدرية أو بمعنى الذي، والظاهر عموم الذكر والأنثى.
وقيل: من بني آدم فقط لاختصاصهم بولاية الله تعالى وطاعته.
وقال ابن عباس والكلبي والحسن: هما آدم وحواء.
والثابت في مصاحف الأمصار والمتواتر {وما خلق الذكر والأنثى}، وما ثبت في الحديث من قراءة: {والذكر والأنثى} نقل آخاد مخالف للسواد، فلا يعد قرآنًا.
وذكر ثعلب أن من السلف من قرأ: {وما خلق الذكر}، بجر الذكر، وذكرها الزمخشري عن الكسائي، وقد خرجوه على البدل من على تقدير: والذي خلق الله، وقد يخرج على توهم المصدر، أي وخلق الذكر والأنثى، كما قال الشاعر:
تطوف العفاة بأبوابه ** كما طاف بالبيعة الراهب

بجر الراهب على توهم النطق بالمصدر، رأى كطواف الراهب بالبيعة.
{إن سعيكم}: أي مساعيكم، {لشتى}: لمتفرقة مختلفة، ثم فصل هذا السعي.
{فأما من أعطى} الآية: روي أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، كان يعتق ضعفة عبيده الذين أسلموا، وينفق في رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله، وكان الكفار بضدّه.
قال عبد الله بن أبي أوفى: نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأبي سفيان بن حرب.
وقال السدّي: نزلت في أبي الدحداح الأنصاري بسبب ما كان يعلق في المسجد صدقة، وبسبب النخلة التي اشتراها من المنافق بحائط له، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ساوم المنافق في شرائها بنخلة في الجنة، وذلك بسبب الأيتام الذين كانت النخلة تشرف على بيتهم، فيسقط منها الشيء فتأخذه الأيتام، فمنعهم المنافق، فأبى عليه المنافق، فجاء أبو الدحداح وقال: يا رسول الله أنا أشتري النخلة التي في الجنة بهذه، وحذف مفعولي {أعطى}، إذ المقصود الثناء على المعطى دون تعرض للمعطى والعطية.
وظاهره بذل المال في واجب ومندوب ومكرمة.
وقال قتادة: أعطى حق الله.
وقال ابن زيد: أنفق ماله في سبيل الله.
{واتقى}، قال ابن عباس: اتقى الله.
وقال مجاهد: {واتقى} البخل.
وقال قتادة: {واتقى} ما نهي عنه.
{وصدق بالحسنى}، صفة تأنيث الأحسن.
فقال ابن عباس وعكرمة وجماعة: هي الحلف في الدنيا الوارد به وعد الله تعالى.
وقال مجاهد والحسن وجماعة: الجنة.
وقال جماعة: الثواب.
وقال السلمي وغيره: لا إله إلا الله.
{فسنيسره لليسرى}: أي نهيئة للحالة التي هي أيسر عليه وأهون وذلك في الدنيا والآخرة.
وقابل {أعطى} بـ: {بخل}، {واتقى} بـ: {استغنى}، لأنه زهد فيما عند الله بقوله: {واستغنى}، {للعسرى}، وهي الحالة السيئة في الدنيا والآخرة.
وقال الزمخشري: فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد كقوله: {يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء} إذ سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر، وطريقة الشر العسرى لأن عاقبتها العسر، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار، أي فسنهديهما في الآخرة للطريقين. انتهى، وفي أول كلامه دسيسة الاعتزال.
وجاء {فسنيسره للعسرى} على سبيل المقابلة لقوله: {فسنيسره لليسرى}، والعسرى لا تيسير فيها، وقد يراد بالتيسير التهيئة، وذلك يكون في اليسرى والعسرى.
{وما يغني}: يجوز أن تكون ما نافية واستفهامية، أي: وأي شيء يغني عنه ماله؟ {إذا تردى}: تفعل من الرّدى، أي هلك، قاله مجاهد، وقال قتادة وأبو صالح: {تردى} في جهنم: أي سقط من حافاتها.
وقال قوم: {تردى} بأكفانه، من الردى، وقال مالك بن الذئب:
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي ** ورداً على عينيّ فضل ردائيا

وقال آخر:
نصيبك مما تجمع الدهر كله ** رداآن تلوي فيهما وحنوط

{إن علينا للهدى}: التعريف بالسبيل ومنحهم الإدراك، كما قال تعالى: {وعلَى الله قصد السبيل} وقال الزمخشري: إن الإرشاد إلى الحق واجب علينا بنصب الدلائل وبيان الشرائع.
{وإن لنا للآخرة والأولى}: أي ثواب الدارين، لقوله تعالى: {وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} وقرأ ابن الزبير وزيد بن على وطلحة وسفيان بن عيينة وعبيد بن عمير: {تتلظى} بتاءين، والبزي بتاء مشدّدة، والجمهور: بتاء واحدة.
وقال الزمخشري: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: {الأشقى}، وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له.
وقال: {الأتقى}، وجعل مختصاً بالنجاة وكأن الجنة لم تخلق إلا له.
وقيل: هما أبو جهل، أو أمية بن خلف وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.
{يتزكى}، من الزكاة: أي يطلب أن يكون عند الله زاكياً، لا يريد به رياء ولا سمعة، أو يتفعل من الزكاة، انتهى.
وقرأ الجمهور: {يتزكى} مضارع تزكى.
وقرأ الحسن بن على بن الحسن بن على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم: بإدغام التاء في الزاي، و{يتزكى} في موضع الحال، فموضعه نصب.
وأجاز الزمخشري أن لا يكون له موضع من الإعراب لأنه جعله بدلاً من صلة الذي، وهو {يؤتي}، قاله: وهو إعراب متكلف، وجاء {تجزى} مبنياً للمفعول لكونه فاصلة، وكان أصله نجزيه إياها أو نجزيها إياه.
وقرأ الجمهور: {إلا ابتغاء} بنصب الهمزة، وهو استثناء منقطع لأنه ليس داخلاً في {من نعمة}.
وقرأ ابن وثاب: بالرفع على البدل في موضع {نعمة} لأنه رفع، وهي لغة تميم، وأنشد بالوجهين قول بشر بن أبي حازم:
أضحت خلاء قفاراً لا أنيس بها ** إلا الجآذر والظلمات تختلف

وقال الراجز في الرفع:
وبلدة ليس بها أنيس ** إلا اليعافير وإلا العيس

وقرأ ابن أبي عبلة: {إلا ابتغاء}، مقصوراً.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون ابتغاء وجه الله مفعولاً له على المعنى، لأن معنى الكلام لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه، لا لمكافأة نعمه، انتهى.
وهذا أخذه من قول الفراء.
قال الفراء: ونصب على تأويل ما أعطيك ابتغاء جزائك، بل ابتغاء وجه الله.
{ولسوف يرضى}: وعد بالثواب الذي يرضاه.
وقرأ الجمهور: {يرضى} بفتح الياء، وقرئ: بضمها، أي يرضى فعله، يرضاه الله ويجازيه عليه. اهـ.